الغوغائية

الغوغائية وصف يطلق على مجموعة من الناس، أو شرائح كاملة من المجتمع، تحاول تقديم أفكارها بطريقة فوضوية أو عشوائية، والدفاع عنها بشكل غير منظّم، يخلو من العقلانية.

معنى غوغاء -لغويًا- هو الصوت والجلبة، ويطلق على ما يُحدثه الجراد مع بداية طيرانه، إذا كان على شكل مجموعات، وبشكل عام يُقصد به الأصوات العالية الفوضوية التي تصدر عن هيجان مجموعة معينة.

اعتبر كارل ماركس الغوغاء بأنهم الأشخاص الذين يعيشون على هامش الطبقة العاملة، ووصفهم بـ “لومب بروليتاريا” ويعني بذلك أنهم “أدنى جماعات المجتمع القديم” الذين هم على استعداد “لبيع أنفسهم للرجعية” بسبب ظروفهم الحياتية وطريقة معيشتهم.

ويشير بذلك إلى أن الجماهير، بشكل عام، تفكر بطريقة “لا عقلانية”، ورأى المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون أن تلك الجماهير تحتاج إلى من يقودها ويقدم لها الحماية، كونها “قطيع لا يستطيع الاستغناء عن راعٍ يقوده”، ومن يمتلك المقدرة على تسويق الوهم لها عن قدراته، يُصبح قائدًا لها كون الجمهور “غالبًا ما يكون من دون ذاكرة” وينسى ما قُدّم له من وعود.

يدافع الغوغائيون عن أفكارهم، وهم مقتنعون بأنهم يمتلكون الحقيقة، ويتحركون خارج سياق القوانين كي يفرضوا آراءهم ومعتقداتهم، بطريقة استبدادية.

يظن الغوغائي أنه قادر على إبداء الرأي في كل شيء، ويثق بأن معرفته شاملة، ويستطيع فهم وتحليل الأحداث وتوضيحها، بناء على معرفته التي غالبًا ما تكون سطحية وغير موضوعية، بل يجزم الرأي والقرار، بشكل قطعي ونهائي وحاسم، ولا يفسح المجال لأي نقاش أو جدل بذلك.

أصبحت الغوغاء حالة سائدة في العديد من المجالس والمجتمعات، وهي تعبر عمّا تحويه تلك المجتمعات، ومن المرجح أنها تشير إلى حالة مرضية، حيث حالة الهرج والمرج التي تسود لقاءات الناس ومعالجتهم لقضاياهم، أو لما يعتري يومياتهم، بلا أي تنظيم أو بحث أو استقصاء لما يمكن أن يقود إلى نتائج مدروسة ومترابطة وملائمة.

وتعاني المجتمعات الجاهلة، عمومًا، من الانفعالات العاطفية التي تؤثر في طريقة التفكير، وتقود إلى ردات فعل فوضوية، ومع الزمن تصبح الغوغائية صفة تلازم المجتمعات المتخلفة، حيث يمكن رؤيتها في الشارع والمؤسسات والخدمات ومراكز القرار والتعليم والعلاقات العامة، بل وتنسحب على طريقة التعبير عن الذات لكل جماعة في مكان تواجدها، ليصبح ذلك طابعًا عامًا اعتياديًا في تلك المجتمعات، ويحل مكان القانون والتنظيم، ويفرض من خلالها أصحاب الضوضاء العالية وجودهم، وإن تمت مخالفتهم ينحون نحو المغالاة في الاستمرار بالردح، لفرض أمر ما بأي طريقة.

ينعكس أسلوب الغوغاء على ملامح الحياة العامة ليصل إلى طريقة إنشاء أبنيتهم، وتصميم أسواقهم، وعرض بضاعتهم، وعلى نمط وقوفهم في الأماكن العامة، أو عبورهم للشوارع، وطريقة قيادتهم للسيارة وإيقافها، وعلى أنشطتهم الاجتماعية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وطرق التعبير عن مطالبهم، ونوعية الكلمات التي يستعملونها في تخاطبهم، وهتافاتهم، وشعاراتهم، لفرض آلية تفكيرهم على الجميع من دون اكتراث بالآخر.