فطيرة المصارف من دم المودعين

بقلم ربيع محسن

المرابون، بصروا بما لم يبصروا به المودعين، فسولت لهم أنفسهم فأخرجوا عجلا ذهبياً. رذالتهم تثير النفور، لكنها تشهد انتصارهم لأنها تنفخ في بوق الفضيلة. لقد دمّروا الائتمان الحكومي واختاروا الصبي الذي تجري معاقبته (المودع) على طريقة الفوضى المنضبطة.

المرابون، صاروا يطلقون اليوم على أنفسهم ‹‹مصرفيين››. هؤلاء الاوليغارشية (الطغمة) يتلاعبون بالأرقام وبالأعداد، يواجهون المجتمع، لا يتوقفون عند مجال محدود، إنما يتعدوه، إضافة الى حقلي المال والنقد، الى حقل السياسة والقانون، من أجل إذلال الناس، ومن أجل الاستيلاء على الممتلكات العامة والسلطات السياسية والاقتصادية والدينية. أن عواقب وجودهم قد اكتسبت حجم الكارثة الاقتصادية والاجتماعية››.

يقول الرّبّي يعقوب تام، ‹‹إنّ الربا مهنة محترمة، فالمرابون يكسبون المال بسرعة وبكميات كافية، ما يتيح لهم أن يرفضوا المهن الاخرى وبالتالي أن يكرّسوا أنفسهم للأنشطة الدينية››.

ويقول زوم بارت، فقد مارس الربا، أولئك الكهنة الذين كانوا يخدمون في معبد دلفي في أثينا.

وببصيرتنا، نرى أن يستولوا على السلطة الدينية ويجلسوا عند ربّي البنك المركزي كما كان الصيارفة يجلسون في حرم الهيكل، مضاربين أو مرابين، ليأتي السيد المسيح ويقلب موائدهم ويطردهم من هيكل هذا الرّبّي.

يقول ريجينالد ماكّين وزير مالية بريطانيا 1915-1916، ‹‹أكثر ما يخيفني هو أن الناس العاديين لا يريدون أن يعرفوا تلك الحقيقة وهي أن البنوك تستطيع صناعة الاموال والقضاء عليها متى شاءت. وأيضا أن البنوك تتحكم بالدين الوطني، وترسم سياسة الحكومة وتقبض بأيديها على مصائر الناس.

في سنة 2002 تم الغاء قانون غلاسّ – ستيغال الذي كان يمنع استخدام اموال المودعين من اجل المضاربة في سوق الاوراق المالية (البورصة). وتحول الكثير من البنوك من مؤسسات للودائع والائتمان الى مؤسسات للودائع والاستثمار، فصارت تتلاعب بأموال المودعين في مختلف الاسواق المالية وفي عمليات المضاربة النقدية، وشرعوا ‹‹الاحتياطي الجزئي›› لأن ‹‹الاحتياطي الكامل›› لا يحقق قدرة ائتمانية ولا نمو في الكتلة النقدية وبالتالي لا يمكن تحقيق ارباح كبيرة من الفوائد الربوية. بينما، قيمة الرهن التي يقبل بها المقترض أعلى بكثير من الذي يقدمه البنك، لا يقدّم البنك للمودع سوى الاحتياطي الجزئي الذي قد لا يتجاوز 15% من الوديعة. إنها جريمة موصوفة لأن البنك صاحب شرف وعلى المودع أن يثق بالبنك. أما عدم التناظر في الأجل بين الودائع والائتمانات يخلق مخاطر عدم الاستقرار في المصرف. كل هذا سوف يؤدّي الى الإصدار (خلق أموال جديدة) في حال عدم توفر غطاء ائتماني كامل لالتزامات البنك. إن عمليات الإيداع أصبحت تفسّر عمليات إقراض وليست عمليات احتفاظ.

لقد وجد اتحاد البنوك والحكومة في القرض مصدرا للربح، بديلا لزيادة الضرائب غير المريحة سياسيا، واستغل البنك المركزي الاحتياطي الجزئي لطباعة الاوراق النقدية التي ليس لها تغطية وحدوث التضخم النقدي.

أما المضاربون فإنهم يتصرفون من خلال صناديقهم الاستثمارية ورافعاتهم المالية فيخرجون الأموال الطائلة من البلد المضيف ما يخلق زيادة حادة في الطلب على العملات الاحتياطية وزيادة حادة في العرض للعملة الوطنية مما يخلق خطر انخفاض حاد في سعرها مقابل العملات الاحتياطية، فيكافح البنك المركزي ضد ذلك عن طريق انفاق العملة الاحتياطية الموجودة لديه للمحافظة على سعر عند مستوى معين للعملة الوطنية وعندما تنتهي يحدث انهيار العملة الوطنية، وبالمحصلة يحدث ازدياد التضخم الى جانب وطأة الديون وحالات الافلاس وتراجع معدلات الانتاج ومؤشرات الناتج المحلي الإجمالي. في مثل هذه الحالة تقوم المؤسسات المالية الدولية بتقويض قيمة الأصول الوطنية ويأتي النهّابون ليتصيّدوا الموارد والأصول الوطنية ويلتهمونها بقيمة منخفضة.

إن نقل القيمة (النهب) يتجلى في ابتعاد سعر الصرف عن تعادل القوة الشرائية، فبينما يكون سعر صرف العملة الوطنية منخفضا ثلاث مرات مقابل العملة الصعبة تكون القيمة الشرائية للعملة الصعبة تعادل نصف القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وتتم مقارنة هذا التناسب في أسعار ما يعرف ‹‹بالسلة›› من السلع والخدمات. فكيف يحدث ابتعاد سعر الصرف عن تعادل القيمة الشرائية؟ انه من خلال البنك المركزي والصناديق السادية.

يقول ايرفنغ فيشر، ‹‹يمكن أن نستنتج من ذلك أن أموالنا تحت رحمة عمليات الاقراض التي تقوم بها المصارف …››.

النقود تقوم بدور ‹‹الدماء›› التي لا بد من جريانها في الاقتصاد لكي تضمن عمله بشكل طبيعي. والمرابون يتحكمون بحركة ‹‹الدم›› في فطير الفصح اليهودي.

في دمشق عام 1840 اعترف الحاخام موسى ابو العافية الى الوالي شريف باشا بالحكاية الحقيقية لفطيرة الدم اليهودية نشرها المستشرق الفرنسي شارل لوران في كتابه بعنوان “في حادث قتل الأب توما وخادمه ابراهيم عمارة”.

إن استعمال الدم في فطائر اليهود أمر مذكور في احد كتبهم المسمى “سادات أدار هوت” وهو كتاب مقدس يتوارثه الحاخامات وتفسير ذلك موجود في التلمود وأن اموال غير اليهود مباحة كالرمال ومياه البحر وأن الله أمر اليهود بأخذ أموال الربا من “الذمي” أي غير اليهودي ويسمونه “أمي” أو “وثني” وأن “من العدل أن يقتل اليهودي كل كافر ذمي لأن من يسفك دم الكافر الذمي يقدم قربانا الى الله”. فالمؤرخ اليهودي البروفيسور أرئيل طوئيف من جامعة بار ايلان في إصدار له بعنوان “فصح الدم” وفي حديث له من روما مع صحيفة “هآرتس العبرية” اكد على استخدام دماء الفتى سيمونينو من قبل اليهود. وفي السياق ذاته عن هآرتس كانت مجلة “دير شطيمر” الالمانية قد اصدرت في 1/5/1934 عددا خاصا تظهر صورة طفل الماني ممدد على الطاولة وحوله عدد من أصحاب الذقون والقبعات يمصون دمه بواسطة أنابيب طويلة. وهؤلاء المصرفيين يمصون أموال المودعين التي تقارب 3750000 حساب فهم يمنعون اقفال الحسابات ويقتطعون شهريا من كل حساب عمولات ومصاريف بنكية وكشف حساب تتخطي ال 100 دولار سنويا فيمتصون من الودائع ما يقارب 375 مليون دولار ويجزون صوف الغنم بتقسيط الودائع على سعر الصرف الذي يحددونه هم. إنهم ربّيون يمتصون دماء المودعين بأنابيب طولة.