منوش الخضرجي الجزء 5

منوش الخضرجي هو كائن برمائي بإمتياز , قلما تجده غير مبتل و دائماً ما تنضح منه رطوبة تفوح منها رائحة الأرض و الزرع لكأنه حقل يسير على قدميه , و هو لهذا يعتبر شخصية منعشة بروح النعناع . ثم إن رطوبته الدائمة هذه توحي أن الدنيا عنده لا تبارح فصل الشتاء , خاصة حين تقترن بما يلبس من ملابس ثقيلة و مخصصة للشتاء , و بالتحديد الرداء النايلوني المانع لتسرب المياه ( بانشو ) . كما لا تفارق قدميه الجزمة البلاستيكية السوداء التي تمتد صعوداً نحو ركبتيه , و تخفي تحتها الجزء الأسفل من بنطال منوش في مشهد يجعل منه أشبه بشخص يسير على عجلتين مثقوبتين . و من الأسرار الغريبة المتعلقة بهذه الجزمة تحديداً أنك تجد أثراً للتراب الرطب أو الوحل بشكل دائم يلتف حول محيطها السفلي , علماً أن منوش لا يقصد الحقل لتأمين مواده الخضرية , بل يشتريها من سوق الجملة المعروف بإسم الحسبة . و قد فسر البعض سر هذه الظاهرة بأن صاحبنا يمتلك في منزله حوضاً ترابياً تعمل زوجته على ريه بالماء دائماً , و يستعمله منوش لتوحيل جزمته عند خروجه كل صباح , و ذلك كي يكون على إنسجام مع محيطه الخضري عملاً بنصائح مريم نور حول التوافق مع المحيط , و يمكن بناء على هذه القاعدة فهم التشابه بين قدميه و دولابي العربة التي يجرها أمامه . و كونه يمثل ركيزة في مجتمع المنوشيين الكادحين , إضافة إلى كان من الطبيعي أن تربطه علاقة صداقة وثيقة بمنوش اللحام , و هذا الأخير شخصية لا يشق لها غبار . مفتاح صداقة الرجلين كان الأقدام , و لا عجب في ذلك حيث يبدو التناذر بين أقدامهما واضحاً فيما يتعلق بما بسترهما , ألا و هو الجزمة السوداء إياها . أضف إلى ذلك أن ترابطاً إقتصادياً هاماً حكم بالتواصل بين الرجلين , حيث يلجأ اللحام إلى صديقه الخضرجي لإبتياع البصل و البندورة من أجل تحضير اللحمة بعجين .