في بلد تنهشه أزمة اقتصادية خانقة باتت تلامس تداعياتها حتى الدورة الشهرية، لم تجد شيرين بديلاً عن الفوط الصحية التي تخطى سعرها قدرتها المادية، سوى استخدام قطع قماش قديمة أو حفاضات طفلتها الرضيعة.
وتقول شيرين البالغة 28 عاماً لوكالة فرانس برس “بتّ أفضل أن تنقطع عني الدورة الشهرية جراء الغلاء والانفعال الناتج عن معاناتي من عدم قدرتي على شراء” حتى الفوط الصحية.
مع بدء ارتفاع الأسعار قبل أشهر، لجأت شيرين إلى شراء أنواع من الفوط الصحية ثمنها بخس نسبياً ومن علامات تجارية غير معروفة، تسببّت لها بالحساسية. لكنّها لم تعد قادرة اليوم على توفير ثمنها. وتوضح “بداية، شعرت بالقهر لكني فضلت ابنتي، أفضل أن أشتري لها الحليب، أما أنا فأتحمل”.
لم تفكر شيرين يوماً أنها ستضطر إلى مشاركة رضيعتها الحفاضات، التي تحصل عليها أساساً عبر المساعدات.
تدمع عيناها، قبل أن تستطرد “أستعمل حالياً المناشف وقطع القماش، أقص الحفاض لأستخدمه مرتين خصوصاً أثناء مغادرتي” المنزل. وتتحدث بخفر عن ارتباكها إذ لم تتمكن بداية من التصرّف على طبيعتها. وتقول “كان علي أن أتفقد ما إذا نفذ شيئاً إلى البنطال”.
على وقع تدهور قدرتها الشرائية، شأنها في ذلك شأن الشريحة الأكبر من اللبنانيين، باتت تستغني عن شراء مسكّنات اعتادت استخدامها لتهدئة الألم في أول يوم من دورتها الشهرية، في محاولة لادخار المال “في حال احتاجت ابنتي شيئاً”.
وجراء الإنهيار الاقتصادي المتسارع منذ صيف العام 2019، بات 55 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ومع خسارة الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، ارتفعت أسعار السلع على أنواعها بشكل هائل، وانقطعت أخرى من الأسواق، بينها أدوية مزمنة وحليب الأطفال.
كغيرها من السلع، ارتفعت أسعار الفوط الصحية تدريجاً بحوالي 500 في المئة في الفترة الأخيرة. ويراوح سعر بعض أنواعها اليوم بين 13 و34 ألفاً، مقارنة مع ثلاثة آلاف في السابق.
– “المصروف أو الفوط؟” –
لم تكن الفوط الصحية يوماً بين السلع المدعومة من قبل السلطات التي بدأت قبل فترة وبشكل تدريجي رفع الدعم عن سلع عدة، آخرها المحروقات وحتى السكر والبن واللحوم.
في محل “ثياب العيد” في بيروت، المخصّص أساساً لتوزيع ثياب مستعملة مجاناً على العائلات المحتاجة، حضرت قبل أيام سيدة تشكو لازدهار، الموظفة في المحل، معاناتها المتجددة في توفير الفوط الصحية لبناتها الثلاث.
تروي ازدهار لوكالة فرانس برس كيف أنصتت بتمعّن وتأثر لما قالته السيدة، إذ أن كلامها ينطبق تماماً على واقع تعيشه بنفسها مع بناتها الثلاث (12 و13 و14 عاماً).
وتقول “لم أعد قادرة على شراء الفوط الصحية، أحياناً أخذ لهنّ حفاضات حديثي الولادة من المحل”.
وتضيف “ابنتي الصغيرة بدأت الدورة الشهرية معها حديثاً، تقول لي باستمرار +لا أعرف كيف أستعملها (قطع القماش والحفاضات)، أرتبك جداً+”، موضحة “بات الأمر يؤثر عليها نفسياً حتى أنها لم تعد تخرج من المنزل خلال فترة الدورة الشهرية”.
لا تعلم إزدهار، التي تتحدث عن طلب متزايد من نساء يسألن عن الفوط الصحية والقماش، ما سيكون الوضع عليه في الفترة المقبلة مع الانهيار المتمادي. تشعر أنها مكبلة اليدين، وتسأل بحرقة “هل أعطيهنّ مصروفاً… أم أشتري لهنّ الفوط الصحية؟”.