السبب الأول: استجابة للدين تطور النّظام الفلسفي بشكل مستقل في كثير من مراحله، ولكنه في العادة يكون مُرتبطًا بنظام الدين، وقد لجأ العديد من الأشخاص إلى الفلسفة لمعرفة بعض الإجابات للأسئلة التي تدور في أذهانهم، والتي لم يفهموها ضمن الإطار الديني.[١] وفي القدم، كانت هُنالك أمور غير منطقية وغير مُجابة ظهرت بسببها علوم الفلسفة، واستمرت الفلسفة في التطور مع الدين منذ العصور الوسطى وحتى وقتنا الحالي، واختلطت مع أنظمة ومعتقدات الديانات اليهودية والمسيحية في الغرب، وفي الشرق مع الديانات الهندوسية والبوذية والإسلامية.[١] السبب الثاني: طرح الأسئلة الفلسفية والحاجة للإجابات جاءت كلمة فلسفة من التركيب اليوناني القديم فيلو بمعنى الحُب وصوفيا بمعنى الحكمة، وككلمة كاملة كانت تعني حُب الحكمة، وتم طرحها على أنها دراسة الأمور الأساسية والعميقة للوجود البشري، ولا يزال موضوع متى بدأت الفلسفة أول مرة موضوع نقاش، ولكن الأهم من بدايته هو الأسئلة الأولى التي طرحت عِلم الفلسفة للوجود، وما هو الغرض الأساسي من طرحها.[١] وكان السؤال الأول هو ما سبب ولادة الإنسان؟، وما الغرض من ذلك؟، وكيف يُفترض عليه فهم حياته؟، والغرض كان ليس فقط طرح الأسئلة، بل كيفية الإجابة على هذه الأسئلة، أي أن بروز هذه الأسئلة والمسائل العميقة والحاجة لإجاباتها كان سبباً في ظهور الفلسفة لأول مرة.[١] والفلسفة هي طريقة ليفكّر الإنسان في العالم من حولِه وفي الكون والمجتمع الذي يعيش فيه، وغالبًا ما تكون الأفكار الفلسفية عامة ومُجرّدة، فمثلًا؛ تتساءل الميتافيزيقيا الفلسفية عن كيفية سير الكون ومم يتكون، ومن الأسئلة الفلسفية التي يتم طرحها ويُبحث عن إجاباتها:[٢] هل العالم موجود من حول البشر؟ ما هي الفلسفة؟ ما هو العلم؟ ما هو الجمال؟ ما هو الحب؟ ما هي الحقيقة؟ هل لدى البشر إرادة حرة؟ ما هو الشر؟ ما هو الإنسان؟ ما العلاقة بين العقل والجسد؟ ما الجيد والسيئ؟ وبذلك فإن الفلسفة عبارة عن إجابات للأسئلة الوجودية التي يطرحها الإنسان وبإجاباتها يعرف كيف يتعامل مع الناس والمجتمع من حوله. عوامل ظهور الأنظمة والمدارس الفلسفية المتنوعة تطور النظام الفلسفي كثيرًا عبر آلاف السنين، وكَثُرت إجابات الأسئلة الوجودية، والفلسفات التي تطورت كانت تسعى إلى شرح الأسئلة الفلسفية بشكل أعمق، أو استبدالها بنماذج وإجابات جديدة،[١] وتتميز كل منطقة في العالم بعوامل مختلفة لظهور الفلسفة ومنها الآتي: عوامل ظهور الفلسفة في مصر وبلاد ما بين النهرين ظهر أقدم نظام فلسفي في التاريخ في مصر متوازيًا مع الرؤى الدينية للجنة بعد الموت، والسؤال الفلسفي الذي طرحه المصريون هو كيف يعيش الإنسان من أجل ضمان مكان في الجنة؟، وكان الدليل على ظهور هذه الفلسفة الرسوم التي وجدت على القبور والتي يعود تاريخها لحوالي 4000 عام قبل الميلاد، كما بحثوا في أسئلة عن طبيعة الإله، وعن الروح، ومفهوم الخلود، وإمكانية التناسخ.[١] أما ظهور الفلسفة بعد مصر كان في بلاد ما بين النهرين، وقد فهم الناس فيها أن ماهية وجودهم على أنهم زملاء عمل مع الآلهة، وتماشيًا مع الأنظمة الدينية المُنتشرة كوّن سكّان بلاد ما بين النهرين فكرة مفادها أن آلهتهم تعمل على أساس المقايضة معهم.[١] ولكن مع مرور الوقت بدأ الناس يشكّون في هذه النظرية، وأكثر صورة وضوحًا هو ملحمة جلجامش، فكان ملك أوروك جلجامش يشكك في علاقته بالآلهة، وبعد وفاة صديقه إنكيدو أراد الكثير من الإجابات التي لا يمكن لمعتقداته الدينية إجابتها.[١] عوامل ظهور الفلسفة في الهند تطورت الفلسفة في الهند كشكل من أشكال الرد على الفيدا؛ وهي الكتب المقدسة للهندوسية، وعلى أقدم كتاب مكتوب في حوالي 500-800 قبل الميلاد وهو الأوبنشاد، ومع ظهور العديد من الفلاسفة والمدارس الفلسفية تكونت حركة إصلاح اجتماعي وديني رافض للهندوسية الحديثة أو ما تُسمى الهندوسية الأرثوذكسية.[١] وكان أشهر مدارس الفلسفة؛ المدرسة المادية التي ظهرت حوالي عام 600 قبل الميلاد، والمدرسة اليانية التي ظهرت ما بين أعوام 599-527 قبل الميلاد، والبوذية الشهيرة التي أسسها سيدهارتا غوتاما المشهور ببوذا ما بين أعوام 563-483 قبل الميلاد، وقد تحولت اليانية والبوذية لديانات في العصور التالية مع أنها كان يُقصد بها الجانب الفلسفي فقط في ذلك الوقت.[١] وتعد الترانيم الفيدية في الكتب المقدسة الهندوسية التي يعود تاريخها إلى الألفية الثانية قبل الميلاد أقدم سجل موجود من الهند لفهم العملية التي يفكر بها العقل البشري في فهم آلهته وللعمليات النفسية العميقة لصنع الأساطير التي تؤدي إلى مفاهيم كونية عميقة، وتحتوي الأوبنشاد؛ وهي نصوص فلسفية تأملية، على تكهنات مبكرة من قبل الفلاسفة الهنود حول الطبيعة والحياة والعقل والجسم البشري، بالإضافة إلى الأخلاق والفلسفة الاجتماعية.[٣] عوامل ظهور الفلسفة في بلاد فارس تطورت الفلسفة في بلاد فارس في عام 1500 قبل الميلاد، وكجميع الفلسفات القديمة تعلقت بالأديان المُنتشرة بالمنطقة، لذا ارتبطت بالزردشتية، حيث تصور الزردشتية الكون بإله واحد خالق، وكان مُنافسه أنجرا مينيو (أهرمان) سيد الظلام والفوضى.[١] بدأت الأسئلة الفلسفية تبحث عن مصدر الشرّ والمعاناة في العالم مع أن أهرمان مخلوق وجد ولم يكن شريرًا في بدايته، وفي زمن الإمبراطورية الأخمينية خلال الفترة بين عامي 550-330 قبل الميلاد ظهرت مدرسة أهورامزدا إله الخير الفلسفية، وظهرت معها العديد من الأفكار الدينية والوجودية الأخرى.[١] عوامل ظهور الفلسفة في الصين كانت فترة الممالك المتحاربة في الصين مليئة بالفوضى، وفي وقتها تم تطوير الفلسفة الصينية عن طريق الحكيم كونفوشيوس الذي عاش في الفترة ما بين عامي 551-479 قبل الميلاد، وفي بدايتها كانت الكونفوشيوسية مجرد مدرسة فكرية، ولكن مع الزمن تطورت لمدرسة فلسفية بجانب مدرسة الطاوية التي أسسها لاو في عام 500 قبل الميلاد، والمدرسة القانونية التي أسسها هان فيزي ما بين أعوام 280-233 قبل الميلاد.[١] ورغم اختلاف هذه المدارس عن بعضها، إلا أن جميعها حاولت ترسيخ النظام في زمن الفوضى عن طريق نشر إجابات لأسئلة فلسفية تُعدّل النظام الاجتماعي والديني في المُجتمع الصيني القديم.[١] عوامل ظهور الفلسفة في اليونان بدأت الفلسفة اليونانية في القرن السادس عشر قبل الميلاد، وكان من بدأها فيلسوف يوناني يدعى طاليس بسؤال (ما الأشياء الأساسية في الكون؟)، وقد اعتمد على فلسفة بلاد ما بين النهرين والفلسفة المصرية لصياغة فلسفته الخاصة، وقد أسس مدرسة تسمى ميلسيان، وقد بلغت ذروة الفكر الفلسفي في أعمال أشهر فلاسفة اليونان أفلاطون ثم أرسطو.[١] وبهذا فإن عوامل ظهور الفلسفة في كل منطقة لها شكل خاص بها، فبعضها قام على الصور وأخرى على الكتابة أو الشعر أو النصوص القديمة أو الأساطير المتواترة بالإضافة إلى الأسئلة الوجودية التي تطرحها ويتم البحث عن إجابة لها.
2024-05-04