ثمّة ما هو ملحّ لأن يعرف اللبناني أين يذهب “المدعوم” ومن هم المستفيدون منه، في ظلّ حكومة فلسفت الدعم حتّى شرّعت أبواب الهدر، بين إعتمادات على سعر صرف الدولار للمواد الغذائية 1515، وللمواشي والأعلاف على سعر صرف الدولار 3900 ليرة، من دون أن يصل للمواطن من “البقرة الا أذنها”، ليشتري كل شيء على سعر السوق السوداء ما يتجاوز الـ 15 ألف ليرة للدولار الواحد كسعر معتمد لدى جميع التجّار وأصحاب السوبرماركت.
وبالتدقيق مليّاً في ملفّ اللحوم المدعومة، تعاني السوق اللبنانية شحّاً كبيراً في الثروة الحيوانية، لسببين رئيسيين: أولّهما، إمتناع تجار وشركات عن بيع الأبقار الى السوق المحلي بالسعر المدعوم، إضافة إلى تهريب الأبقار الى سوريا بكمّيات كبيرة، والثاني، تصدير الأغنام الى الخليج العربي، وبالتالي تفريغ السوق المحلي من الثروة الحيوانية ممّا يرفع ثمنها تلقائياً، ويحرم المواطن اللبناني من تناول اللحوم على أسعارها الحالية.
عجز الدولة
أبو حسن صاحب سلسلة ملاحم في البقاع بين شتورا وجلالا وبرّ الياس وتعلبايا والمصنع، يجزم بأنه لم يستطع الحصول على رأس بقر أو رأس غنم بلدي أو تركي مدعوم منذ نحو شهر، ويقول: “سعر كيلو لحم البقر المدعوم بين الـ 30 والـ 35 ألف ليرة ولأنّ ما فينا نسكر، نضطّر لشراء كيلو البقر الحيّ الواقف 25 ألف ليرة بفاتورة برّانية، فيما المفترض أن نشتريه كمدعوم ما لا يزيد عن 16 الف ليرة”. وعن دور البلديات في تحديد السعر يجيب: “هذا الكلام مضحك ودليل عجز الدولة عن تحديد الجهات التي تبتزّ المواطن، يجب أن تلاحق المستورد وتفرض عليه تسليمنا الذبيحة، حينها يتمّ تحديد سقف لسعر كيلو اللحم المذبوح وضبط المخالف”.
“العويس” المغشوش
يكشف أحد العاملين في مجال تربية المواشي واستيرادها لـ”نداء الوطن” عن أنّ أكثر من 15 ألف رأس غنم يتمّ تصديرها أسبوعياً الى دول عربية، يطلب في هذه الأيام الغنم البلدي المعروف بـ”العويس”، (هو خروف بلدي عمره صغير وزنه لا يتجاوز الـ 40 كيلوغراماً، يربّى في بادية الشام، وبين لبنان وسوريا). ويؤكد أن بعض التجار عمدوا الى استيراد هذا النوع من الغنم من منطقة أورفة التركية، حيث يتمّ استيراده بسعر أغلى بنصف دولار عن سعر كيلوغرام غنم البيلا القادم من تركيا وجورجيا ورومانيا وغيرها، فيتمّ نزع “الكبسة” عن أذنه وإطعامه الشعير والتبن لمدّة اسبوعين، وبعدها يتمّ تصديره عبر المطار الى الخليج العربي على أساس أنّه بلدي عويس بـ 270 دولاراً اميركياً عن كل خروف واصل. هكذا تتمّ سرقة المال العام، وبعملية حسابية يتبيّن أنّ بعد الدعم يصبح رأسمال كيلو المستورد دولاراً واحداً. فإذا كان سعر كيلو الغنم الحي 3 دولارات وسعر الدولار مع ارباحه 4 آلاف ليرة، يصبح سعر الكيلو بـ 12 ألف ليرة، أي بدولار واحد على سعر صرف السوق السوداء، وبالتالي تكون أرباحهم طائلة.