نظم مجلس نقابة المحامين في بيروت لقاء عاما للمحامين، أثناء إضرابهم المستمر منذ أكثر من عشرة أيام، في قاعة الخطى الضائعة، في قصر العدل في بيروت، تخلله نداء أطلقه نقيب المحامين في بيروت الدكتور ملحم خلف، كما تخلله وضع مجلس النقابة لإكليل من الزهر على نصب القضاة الشهداء الأربعة والوقوف دقيقة صمت “إجلالا لأرواحهم الخالدة”.
وقال النقيب خلف في ندائه: “طفح الكيل، طفح الكيل من قضاء يخاف القوي ويمارس القوة على الضعيف. طفح الكيل من قضاء مسخر مطواع مسير، طفح الكيل من قضاء متشاوف متعال مكابر، طفح الكيل من قضاء غير فاعل غير منتج وغير حر، طفح الكيل من قضاء يصرف النفوذ ويذهب الى حد مخالفة القوانين، طفح الكيل من تقويض القضاء بالمحاباة والمصالح، طفح الكيل من قضاء اسقط استقلاليته مقابل مراكز طائفية ومذهبية”.
اضاف: “اياكم التطاول على المحاميات والمحامين، اياكم تجاهل مطالب نقابة المحامين في بيروت، اياكم التعرض لكرامة المحامين والمس برسالتهم والحد من دخولهم قصور العدل، اياكم تخطي الأصول،
حاولتم اسقاط الجناح الذي يسمو بكم الى اعلى، فسقطتم من علو في حفرة التناحر والتجاذب والانقسام،حاولتم تغطية ضعف ابتعادكم عن استقلاليتكم فتماهيتم مع من يحاول إسقاطكم، اسقطتم السلطان المعطى لكم واحتفظتم بالسلطة البائسة الفاشلة، عودوا عن تجاوزاتكم وأخطائكم الآن”.
وتابع: “أيها المحاميات والمحامين الأعزاء، اليوم، لست بصدد إطلاق موقف أو بيان أو كلمات أو شعارات، نقف عندها، ويذهب بعدها كل واحد منا في طريقه،اليوم، الكلام الإعتراضي الإحتجاجي لم يعد مجديا أمام التدهور الدراماتيكي السريع على كل المستويات. اليوم، أطلق نداء موجها لكل فرد منكم، بحيثيات وأهداف ومطالب واضحة المعالم والأبعاد، يستدعي تعاضدا مهنيا تاريخيا إنقاذيا في لحظة “أبوكاليبتية” يشتعل فيها الوطن”.
وقال: “أناديكم اليوم، لتعلموا أن نقابة المحامين، منذ أشهر، تحاول ولا تزال إنقاذ الواقع القضائي المنهار، ليس حماية لقضاة شجعان شرفاء وحسب، ليس قناعة أن القضاء هو من ينشلنا من واقع أزماتنا المتراكمة وحسب، بل تحصينا لقضاء- حجر زاوية الوطن- ممن يضربه بشكل ممنهج، ليسقط مرفق العدالة والوطن في آن.
واردف: “أناديكم اليوم، لتعلموا أن ما إختبرناه خلال هذه الأشهر، من معاناة وتجاوز للأصول من بعض القضاء بحق المحامين ونقابتهم، ومن عدم تعاون بين جناحي العدالة، حملتنا الى البحث عن أسباب هذه التجاوزات من دون التوقف فقط عند ظواهرها؛ فثبت لنقابة المحامين أن سببها الأساس هو غياب إستقلالية القضاء؛ وبغياب هذه الإستقلالية تربعت منظومة سياسية أمنية قضائية في قصور العدل حماية لمنظومة فاسدة أكبر”.
وتابع: “أناديكم اليوم، لتعلموا أننا من خلال هذا الإضراب منذ أكثر من عشرة أيام، مددنا اليد إفساحا في المجال، لهذا القضاء للعودة عن الأخطاء والتجاوزات؛ عبثا فعلنا، ولم نلق إلا آذانا صماء، مع العلم أن نقابة المحامين مستمرة في التشدد في تطبيق قوانينها وأنظمتها على كل المحامين من دون أي تمييز، ليكون المحامون قدوة؛ ولن تغطي نقابة المحامين أي محام مرتكب بل تحاسب كل من خالف قسمه.
أناديكم اليوم، لتعلموا أنه إذا كان الإضراب وسيلة للإعتراض والتعبير، دأبت عليه نقابة المحامين عشرات المرات منذ تأسيسها حتى اليوم، فإن هذه المنظومة تحاول إستغلاله للإيحاء أن مرفق العدالة متوقف بسبب نقابة المحامين والمحامين، وليس بسبب غياب كلي لحد أدنى من بيئة قضائية سليمة، ولن أسترسل في سرد معاناتنا المأساوية، نحن المحامين والقضاة والمساعدين القضائيين”.
وسأل: “ألم يغب عن قصور العدل كل شيء، من إستقلالية قضائية وإستقلالية بعض القضاة، وصولا حتى الى الطوابع وأوراق المحاضر والكهرباء والصيانة، ناهيكم بالنفايات التي تغزو صروحها؟ ما هذا الذل الذي نعيشه؟ هل نبقى صامتين؟”.
وقال: “أناديكم اليوم، لتعلموا أن العدالة في خطر على بقائها. حين تنحر العدالة، حين تغتال الحقيقة، حين تشوه مفاهيم القانون، حين تدمر مسارات الحق، حين يعطل عمل القضاء، حين يستكنف عن إحقاق الحقوق،
حين تحول أروقة قصور العدل والمحاكم العسكرية الى مذبحة لإستقلالية القضاء، حين تكرس أساليب الدولة البوليسية الأمنية، حين تعود لغة الإنتقام وإستيفاء الحق بالذات وشريعة الغاب وعدالة القبائل، حينها لا يعود من مكان لتسويات قاتلة، حينها تضحى مسؤوليتنا الأخلاقية أن نكرس إنتفاضة كبرى لا هوادة فيها على من يصمم على تدمير الهيكل على رؤوسنا، رؤوسنا جميعا”.
اضاف: “أناديكم اليوم، لتعلموا أن أي إصلاح لواقعنا المرير يبدأ، بإستقلالية القضاء، إستقلالية القضاء، ولا شيء غير إستقلالية القضاء، أليس أنتم من الناس؟ وأنتم العالمون جيدا: أنه في غياب إستقلالية القضاء، تجاوز بعض القضاء كل الأصول مع نقابة المحامين، أنه في غياب إستقلالية القضاء، منع المحامون من مزاولة المهنة بمخالفة صارخة للقوانين، أنه في غياب إستقلالية القضاء، إعتدي على المحامين وعلى الناس وإنتهكت كرامتهم وتم سجنهم زورا، والمعتدون يكافؤون على أفعالهم، أنه في غياب إستقلالية القضاء، إضطهد المحامون والناس المكافحون للفساد، أنه في غياب إستقلالية القضاء إستشرى الفساد في كل وزاراة وإدارات الدولة، أنه في غياب إستقلالية القضاء، ضاعت ودائع المحامين والناس في المصارف، أنه في غياب إستقلالية القضاء، حفظت ملفات الفساد وأطلق سراح الفاسدين وتبخرت الأموال المنهوبة، أنه في غياب إستقلالية القضاء، عاش القضاء الإنتقائي الإنتقامي، أنه في غياب إستقلالية القضاء، إنعدم مبدأ فصل السلطات، أنه في غياب إستقلالية القضاء، سقط التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان وفي كل مؤسسات الدولة، أنه في غياب إستقلالية القضاء، إمحى العيش الكريم للمحامين والناس،
أنه في غياب إستقلالية القضاء، يذل المحامون والناس في طوابير طويلة تأمينا للغذاء والدواء والإستشفاء والوقود والكهرباء، أنه في غياب إستقلالية القضاء، تتعثر العدالة للمحامين والناس في قضية تفجير المرفأ والعاصمة بيروت، أنه في غياب إستقلالية القضاء، ينهار القضاء بأشكال شتى، وتنهار معه الدولة”.