الهوة التي تفصل بين الأزمة والمعالجة تتسع باضطراد. كلفة ردمها التي حددت بـ 246 ألف مليار ليرة، كحد أقصى، في نيسان العام 2020، أصبحت اليوم لا تقدر بثمن مع وصول كل الحلول إلى حائط مسدود. فالمواطن يُقَدم مع كل إشراقة صباح “وجبة” دسمة، إن لم يكن “أضحية”، على “وليمة” تقليص خسائر المصارف، والمحافظة على امتيازات زعماء الطوائف. حتى بدا البلد وكأنه “يأكل” نفسه.
زودة غلاء أو تقصير الدوام
هذا الواقع الذي يجعل من مطالبة موظفي القطاع العام بزيادة على الرواتب والأجور أمراً مستحيلاً، “يمكن تشريحه بشكل منطقي وعلمي، وإعطاء كل ذي حق حقه، من دون أن تتسبب زيادة الأجور بالتضخم الذي يحكى عنه”، بحسب عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة طارق برازي. “إذ أن المطالبة بزيادة الرواتب محصورة بـ 15 ألف موظف فقط، يعملون في الإدارة العامة، ويتعرضون للظلم الأكبر”. فعلى عكس المعلمين (40 ألف معلمة ومعلم) الذين لا يداومون، وخلافاً لما يحصل عليه عديد الأجهزة الأمنية والعسكرية البالغ نحو 130 ألفاً من تقديمات إجتماعية ولباس موحد ونقل مجاني وطعام يومي، فان موظفي الإدارة ملزمون بالحضور على حسابهم إلى مكان عملهم. وذلك بعدما أصبح بدل النقل الشهري لا يغطي كلفة صيانة السيارة، ولا يعوض عن نسبة ارتفاع البنزين التي فاقت 70 في المئة. كما أن معدل أجور 96 في المئة منهم انخفض إلى 250 دولاراً كحد أقصى، و60 دولاراً كحد أدنى. وإذا احتسبنا نسبة الأقساط التي تحسم من الرواتب، يتبين لنا أن متوسط الأجور في الإدارة العامة أصبح يترواح بين 30 و125 دولاراً. “هذا المبلغ يجب أن يكفي للمأكل والمشرب واللباس وإصلاح السيارة وتعليم الأولاد والطبابة وشراء الدواء. وهذا هو المستحيل بحد ذاته”، يقول برازي. و”في حال كانت الدولة عاجزة عن إعطاء زودة غلاء معيشة، عليها تقصير الدوامات واعتماد مبدأ المداورة في الحضور، وشمول الموظفين بالبطاقة التمويلية”