ساوى انخفاض سعر الليرة بين غالبية اللبنانيين، الذين فقدوا مدخراتهم ورواتبهم. لكن ثمة خطورة في ما يصيب المؤسسات الأمنية من انعكاسات على حياة العسكريين ويومياتهم وهربهم من الخدمة
في اليومين الماضيين، كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتمتع بحملة إعلامية وسياسية للدفاع عنه بلا حياء، فيما كانت الليرة تتهاوى مجدداً، من دون سقف. في هذا الوقت، كان راتب العسكري في المؤسسات الأمنية التي تؤمن الحماية لسلامة والمصارف وللسياسيين، يتهاوى من ألف دولار الى مئة دولار. هل يكفي الزجل والأغاني والأشعار التي تتغنى بالعسكر، لتأمين طعامهم وعائلاتهم، وهل تكفي الورود التي تقدم اليهم في أي تظاهرة تشهد عسكرياً يبكي، كي يؤمن هذا العسكري أطعام عائلته؟ وهل المساعدات الاميركية والبريطانية والفرنسية، المخصصة لمؤسسات أمنية، تعرف أن جنوداً يهربون من أجهزتهم بعدما انهار سعر الليرة، رغم كل محاولات النفي من الجيش وقوى الأمن، في بلد يعيش الخضات الأمنية الواحدة تلو الأخرى، ويحتاج الى إعادة تنظيم عديده الحالي؟ هل يخرج مسؤول ليتحدث بصراحة وشفافية عن معاناة العسكر، بعيداً عن تأليه المؤسسات الأمنية كلها، من الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام وأمن دولة؟
يقول أحد العسكريين: «بات الضباط يخافون منا كما يخاف بعضهم علينا». صحيح أن انخفاض سعر الليرة طاول الضباط في رواتبهم أيضاً، لكن المخصصات، خارج جدول الرواتب، لا تزال تصل إلى جزء منهم، في مواعيدها، ولا سيما مراكز القيادة والمحيطين بقادة الأجهزة الأمنية، وفي الفروع الاستخبارية. ورغم أن ضباطاً لا يزالون يؤمنون لعسكريهم جزءاً من هذه المخصصات، لكن بسبب انهيار الليرة، لم تعد هذه المنح الصغيرة، سواء كانت نقدية أم محروقات أم غيرهما، كافية لتعويض الخسارة. يوصي الضباط من ذوي الرتب العالية الضباط الأقل رتبة بـ«أن لا تتواجهوا مع العسكر أياً كانت الظروف، لأن الوضع لم يعد يحتمل، وإلا فسنكون أمام حالة جديدة من ردود الفعل». في بعض الأجهزة محاولات من ضباط للوقوف على مشكلات الأفراد، ومحاولة احتوائها بالتي هي أحسن، وتخفيف الضغط عنهم، مادياً ومعنوياً، حتى من خلال وقف بعض التدابير العملانية. لكن هذا كله ينعكس في نهاية الأمر على أداء المؤسسة الأمنية. كما تجري محاولات من ضباط لحث أقرانهم على وقف البذخ في مرحلة التقشف الحالي لعسكرييهم. لكن بماذا يمكن لقادة الأجهزة التحدث مع عسكري ينتظر ربطة الخبز التي توزع يومياً قبل أن يغادر مقر عمله، أو الإعانات التي تصل الى مؤسسته من الخارج ليعتاش منها، ولم يعد قادراً على شراء سندويش أو علبة دخان أو لوح شوكولا من الدكان المخصص للعسكريين؟ وكيف يمكن التعامل مع جنود باتوا يتوجهون الى المؤسسات الاجتماعية للحصول على المساعدات الغذائية، كَهَمٍّ أول وأخير، قبل الكلام عن تأمين قروض للسكن والمنزل والزواج وإنجاب الأولاد. حتى رواتب التقاعد التي كانوا يبقون في المؤسسة من أجلها، أصبحت من دون قيمة. وحدها الطبابة تبقي لهم فسحة من الأمل. ما عدا ذلك، لولا جوازات سفرهم المحجوزة في مؤسساتهم ووقف أذونات السفر، لما كان مشهد القوى الأمنية ليبقى على ما هو عليه، بعدما خرج من لبنان عسكريون الى أفريقيا وكندا وألمانيا ولم يعودوا، في وقت يسعى فيه عسكريون الى تقديم طلبات متكررة للسفر من دون جدوى.