دخول الصحافيين مسرح الجريمة…المهنية وأشياء أخرى

أخبار
الفريق: ابراهيم حيدر – اسمهان صفي الدين – رنا سلما
لم تنسى الصحافية ضياء هايل ر،
مظف يوم الرابع من آب عام٢٠٢٠ بعد، وما زال تأثيره السلبي عليها ّ
حاضر إلى يومنا هذا، مشاهد الدمار واألشالء المنتشرة في كل مكان ال زالت مطبوعة في ذاكرتها. وتروي
مظف عن تجربة تواجدها في مكان تفجير مرفأ بيروت وقت حصوله حيث تابعت القضية عن قرب، : ّر
قائلةً
“حتى اليوم ال أستطيع أن قفل
ُأ
مؤكدًة ُأ الباب، وال زلت أشعر بالخوف والقلق عند سماع صوت المفرقعات”.
أن تواجدها السريع في مسرح الجريمة جعلها ترتبط بالحدث، حيث رأت األشالء والضحايا وقصص الفقدان
والحرائق والشعور بالخوف والرعب والحزن.
قصة ر
مظف تمثل حال الكثير من الصحافيين/ات الذي يقومون بتغطية األحداث األمنية وقد يتعرضون ّ
للتواجد أو الدخول الى مسرح الجريمة، مع ما يحمله هذا األمر من مخاطر عديدة، سوا ًء عليهم أو على
المسرح نفسه واألدلة الموجودة فيه. وُيعتبر مسرح الجريمة )وهو المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة( ا
مكانً
ا
تا من قبل أي شخص أو جهة غير مخّولة، ومنها الصحافيين. ً
دقيق جًدا، ويجب عدم دخوله بتاً
فر لموقع __ عن اآلثار النفسية التي لحقت بها جراء متابعتها لذلك اليوم المشؤوم،
وتشرح مظّ
وكيف استطاعت أن تنتفض بالرغم من “الوجع واأللم”، لتحويل هذه التجربة من مؤلمة إلى إيجابية نو ًعا ما
من خالل مشاركتها بعّدة مبادرات اجتماعية.
الحالة النفسية أهم من الـ”سكوب” اإلعالمي
غالًبا ما يسعى الصحافي المحترف أثناء تغطيته لألحداث الى نقل الخبر والصورة بأسرع طريقة “دقيقة”
ممكنة، مع التزام المعايير المهنية المطلوبة، ولكن يبقى لألحداث األمنية الضخمة خصوصيتها التي يجب
عليه أن يتعامل معها بحذر ودقة أكبر للمحافظة على نفسه وعلى المحيطين والمعنيين بالحدث.
فر الصحافيين/ات بضرورة مراعاة الحالة النفسية للمتضرر من األحداث الناجمة عن
وتوصي مظّ
االنفجارات أو أي حدث آخر، قبل اإلسراع في نشر األخبار للحصول على “سكوب اعالمي”، وبالحذر عند
حفا على سالمتهم الجسدية والنفسية بالدرجة األولى، ولحماية المسرح وتجنب ًظ دخول أي مسرح جريمة ا
العبث غير المقصود باألدلة وما إلى هنالك من نتائج سلبية.
بدوره يشرح المتخصص في علم النفس العيادي الدكتور جورج أبو مرعي أن تواجد الصحافي في مسرح
الجريمة يؤثر عليه بشكل مباشر، فهو يتعرض لمجموعة من المشاعر والتجارب العاطفية الصعبة و
القاسية. مؤكًدا على أ ّن المسرح مشحون بالتوتر والصور التي ستودي الى صدمة وخوف. كما أنها وبشكل
غير مباشر ستع ّرضه “للصدمة الثانوية” التي تتشكل من عّدة مشاهد ومشاعر قد عاشها الصحافي خالل
تواجده في مواقع مشابهة ا،
سابق ويقوم بالتالي عقله “في الالوعي” باسترجاع ومقارنة المشاهد والصور التي ً
ِهك”.
عاشها من قبل ويتركه في إطار عاطفي ونفسي وجسدي ُمن
ولتجنب التعرض لآلثار النفسية يجب على الصحافي بحسب أبو مرعي أن يطرح على نفسه السؤال التالي
“هل أستطيع أن أغطي وقائع مسرح جريمة؟ وإذا كانت إجابته ال، فال يجب عليه الذهاب، ألن ذلك
سينعكس عليه نفسًيا وجسدًيا بشكل سلبي. واذا وجد نفسه حاض ًرا لهذه المهمة فعليه اإلعتناء بالتوازن
العاطفي والبدني، وأن يحترم التغيرات التي قد تطرأ على مشاعره في حال كان مزاجه سيء يومها.
مسرح الجريمة وخطر دخول الصحافيين
ُيعرف مسرح الجريمة بأنه المكان الذي كبت
ارت أو شفت ُ
اكت فيه الجريمة، وهو ينقسم بحسب الخبيرة بعلم ُ
الجريمة باميال حنينة الى ثالثة أنواع: داخلي، خارجي، ل.
ومتنقّ
وحول من ُيسمح له دخول موقع الجريمة، تشرح حنينة أنه وبحسب المعايير العالمية، فهم الشرطة والدفاع
المدني في حال حصول حريق، باالضافة الى المحققين والتقنيين المتخصصين بالطب الشرعي النتشال
األدلة )في حال وجود ة(.
جث هذا في العالم أما في لبنان فمن يحضر لمسرح الجريمة هم أقرب جهاز أمني، ّ
باإلضافة إلى الصحافيين ،القضاة، الجيران …
وتعتبر حنينة أن كل شخص يدخل الى مسرح الجريمة وهو غير معني قد يتسبب بالعبث باألدلة، ما ر
يؤثّ
على مسار التحقيق ويصّعب عمل المحققين، وتضيف: “األدلة هي الشاهد الصامت الذي يو ّضح تفاصيل
الجريمة و يستند عليها القضاة والمحاكم إلصدار تقاريرهم وأحكامهم”.
تو ّضح حنينة أن خطر دخول الصحافيين مسرح الجريمة ال يقتصر على العبث باألدلة فقط ، بل أي ًضا على
إمكانية الصحافي نفسه، خصو ًصا في ظل عدم وجود ضوابط كافية في لبنان. ومن مظاهر الخطورة
مثالً
وجود مواد كيماوية أو مس ّممة، هذا باإلضافة إلى األمراض البيولوجية مثل التقاط عدوى معينة كال)HIV)
فضاًل عن القنابل غير المنفجرة، وعوامل بيئية بسبب وجود الدماء، أو غيرها من األمراض المعدية، هذا
مثل الحرارة وبرودة الطقس التي يمكن أن تؤثر على الحالة النفسية والجسدية للصحافي، كما ومخاطر
اإلشعاعات النووية والغازات السامة مثل ما حصل بانفجار 4 آب.
أ ّما عن المبادئ األخالقية واإلنسانية التي تحكم عمل الصحافي في حال وقوع حدث أمني، فتقول حنينة،
تى ولو كان
“ُيمنع تصوير الجثث خصو ًصا إذا كانت مشّوهة، وكذلك األشالء في حال حصول انفجار، حّ
الهدف مساعدة المحققين، كما أنه ال يجب ايذاء عين المشاهد بهذه اللقطات التي قد تؤدي الى الذعر والهلع
المجتمعي مثلما حدث في انفجار مرفأ بيروت”. وتضيف “على الصحافي عدم طرح األسئلة على الشهود
المتواجدين في مسرح الجريمة وافساح المجال للمحققين للقيام بعملهم ألن ِذكر أي معلومة على وسائل
اإلعالم قد تغّير مسار التحقيق بشكل كامل”.
مسرح الجريمة بعين المباحث الجنائية
يؤكد العميد المتقاعد في قوى األمن الداخلي الدكتور حسين خشفه ما قالته باميال حنينة ا
سابق عن مسرح ً
الجريمة، ا
فذ فيه العمل ال ُجرمي وتظهر فيه الجريمة”. وقد يكون مسرح الجريمة ً
واصف إياه “بالمكان الذي ُيَنّ
ا
مكان واض ًحا وبأبعاد جغرافية محددة كجريمة قتل في منزل أو سرقة خزنة، وقد يكون عاب ًرا للحدود ً
والجغرافيا، كالجرائم ال ُمنظمة أو جرائم المعلوماتية.
ويقول العميد خشفه أن مسرح الجريمة ُيعتبر المكان األهم لالنطالق منه بالت ًحقيق، ألنه ومن خالل إعادة
تركيبه يمكن تصّور سيناريو تنفيذ الجريمة، كما أن يحتوي على األدلة الجنائية األساسية التي يرتكز عليها
التحقيق لكشف المجرم بالدليل القاطع .
يوضح العميد خشفه أن الدخول العبثي إلى مسرح الجريمة من قبل بعض الفضوليين سواء عن حسن نية أو
سوء نية من شأنه أن يبعثر االدلة او يتلفها أو يضيعها، ويشرح خشفه ومن خالل خبرته في المباحث
الجنائية أن األسباب الرئيسية للفوضى في مسارح الجريمة في لبنان هي على الشكل اآلتي:
● الفضولية الموجودة لدى بعض الشعب اللبناني في معرفة تفاصيل ما حصل.
● التدخل للمساعدة.
● السبق الصحافي أو أخذ الصور لمسرح الجريمة للتباهي بالمعرفة وتداول الخبر.
● تأخير وصول ال ُمحقق إلى مسرح الجريمة.
هذه في األسباب المتمثلة بحسن النية كما وصفها خشفه، أ ّما األسباب الحاصلة عن سوء نية فيل ّخصها “بأنها
تهدف الى طمس االدلة بغية عدم كشف الجاني الحقيقي أو إللصاق التهمة بشخص أو جهة أخرى. وعن
التأ في إبالغه عن الجريمة، أو ّخ تأخر وصول المحقق إلى مسرح الجريمة يؤكد خشفه أنه قد يكون بسبب ر
النشغاله بجريمة أخرى وعدم وجود محقق آخر جراء النقص في العديد، ومن الممكن في حاالت نادرة أن
يكون التأخير ناتج عن “تقاعس”.
ويشرح العميد خشفه “اإلجراءات المتبعة دولًيا لمنع هذه الفوضى في مسارح الجريمة والحفاظ على األدلة
الموجودة فيه وهي:
● وجود العديد من العناصر المتخصصة للقيام بالمهام المطلوبة.
● التوعية المدنية واالجتماعية على أهمية الحفاظ على مسرح الجريمة.
● التدريب المستمر للكادر العامل.
ومن جهة أخرى يشدد العميد على التقنيات واإلجراءات المطلوبة لالجهزة األمنية لتنظيم مسرح الجريمة،
“على أول الواصلين من األجهزة األمنية القيام بما يلي”:
قائالً
● ضبط مسرح الجريمة ومنع الدخول إليه والخروج منه.
● عدم السماح بالدخول إاًل ألصحاب االختصاص.
كان العبث باألدلة الموجودة. ● عدم السماح
أليٍ
ُينشر هذا التقرير في إطار التدريب حول “أسس ومبادئ التغطية اإلعالمية لقضايا األمن في لبنان” الذي
نظ ّمته مؤسسة “مهارات” بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع األمن “DCAF”. هذا المحتوى ال يعكس
بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع األمن.