اقتصاد| قتل الدول بالاقتصاد
يقوم الاغتيال الاقتصادي للأمم على إغراء الدول النامية بالمشروعات التنموية، لإغراقها في الديون، ومن ثم السيطرة عليها سياسيًّا بعد قتلها اقتصاديًّا، فلا تملك بعد هذا إلا التبعية للدول المتقدمة، وعلى رأسها أميركا.
هكذا يعرّف “جون بيركنز”، عالم الاقتصاد الأميركي، إلى جانب كونه ناشط سياسي وعالم بيئة أميركي، والذي عمل حوالي العشر سنوات كقاتل اقتصادي، ليصدر بعدها كتابه الشهير “اعترافات قاتل اقتصادي”. وكانت تشتمل مهمته على تشجيع زعماء العالم على الوقوع في شرك القروض فيصبح من السهل ابتزازهم في أي وقت، بهدف الحصول على حاجات الدولة الأميركية السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث تتم تصفية الحاكم جسديًّا في حال رفضه المغريات الاقتصادية.
وفي تجربة لأمريكا مع إيران عام 1953، والتي كانت الداعي الأساسي لإنشاء منظمة القتل الاقتصادي غير الرسمي، فعندما قرر رئيس الوزراء الإيراني “محمد مصدق” زيادة العائد المالي الذي تجنيه الدولة من شركة البترول الأكبر “بريتش بتروليوم” لصالح الشعب الإيراني وإلا ستتوقف استثماراتها في إيران، تخوّفت حكومة الرئيس الأميركي “دوايت إيزنهاور” من زيادة نفوذ “مصدق” ومن لهجته الانفصالية عن المنظومة الرأسمالية، مما يوحي بتقارب محتمل من الاتحاد السوفياتي. وكخوف من حرب نووية في حال قررت أميركا التدخل العسكري لحفظ نفوذ الشركة، أقنع وزير الخارجية الأميركي “ألان دالاس” الرئيس بإرسال أحد عملائهم بحفنة مليونية من الدولارات إلى إيران فقط من أجل مهمة واحدة فقط: لا مزيد من أيام مصدق في كرسي الوزارة. ولم يمض الكثير من الوقت حتى كان “كيرميت روزفلت”، مهندس الانقلابات في الشرق الأوسط، يطأ أرض “طهران” بما معه من ثروة وُزِّعت على مجموعة مختارة لإثارة السخط والتظاهرات ضد حكومة “مصدق”، ليحصل “روزفلت” ورؤساؤه على النتيجة المرجوة بتنحية “مصدق” وحكومته من الصورة تماما ووضعه تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته.
إذًا، هذا هو الطريق بالنسبة لأميركا: قتل اقتصادي بإغراء الحكومات بالاستثمار وتوريطها في ديون لا تنفك عنها ولا تترك لها استقلالا، وإلا فالإطاحة بالحكومات نفسها -كما حدث مع “مصدق”- واستبدالها بأخرى تسهل المهمة. ولأميركا العديد من التجارب الأخرى في الكثير من الدول، كالسعودية وبنما والعراق وغيرها. فهل لنا في لبنان أن نعتبر؟